كانت أم اسماعيل تهرول من جبل الصفا إلي جبل المروة بحثا عن شيء يسد رمق رضيعها.. وكان الشيطان يوسوس لها قائلا: ترككم في الصحراء والجبال بلا ماء ولا زرع.. إهجريه.. إتركيه.. لكن السيدة هاجر لم تستجب للشيطان وظلت تسعي بين الصفا والمروة حتي رزقها الله بالماء الذي إنفجر من بين الصخور تحت ضربات أرجل الرضيع.. وسمي بئر زمزم.. الذي يسقي منه حجاج بيت الله منذ ذلك اليوم حتي الآن.
والسعي من شعائر الله المفروضة علي المسلم الذي نوي الحج أو العمرة.. ويقف فوق جبل الصفا داعيا الله وهو متجه إلي كعبته المشرفة.. ويقرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله}.. ويحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو.. وكان من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم فوق الصفا: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده».
ويبدأ مسعاه من جبل الصفا متجها إلي المروة ماشيا.. حتي يصل إلي العمود الأخضر عنده يسرع الخطي حتي يصل إلي آخره ثم يمشي علي عادته حتي يصل إلي المروة فيرقي عليه ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قال علي الصفا.. ثم ينزل من المروة إلي الصفا.. وهكذا يكمل سبعة أشواط.. بعدها يحلق رأسه أو يقصر.. وبذلك تتم عمرته وتباح له جميع محظورات الإحرام.
وبعيدا عن أعمال وشعائر العمرة.. فإن كل ذلك لا يكتمل إلا بالنية الصافية.. والدعاء بإخلاص لله الواحد الغفار.. التوبة.. فإن الله تواب رحيم.. النظر إلي الكعبة فإنها لا يعدلها نظرة إلي أي شيء آخر.. خاصة الحجر الأسود.. الصلاة في الحرم بمائة ألف صلاة في غيره.. إذن أنت في الحرم الأول تستفيد.. سواء بغفران الذنوب بإذن الله والتوبة المخلصة التي لا تعود بعدها إلي الخطايا والمعاصي.. أو بالحسنات التي تنالها بمجرد جلوسك وصلاتك أمام بيت الله الحرام.
وتكتمل مسيرتك الإيمانية بزيارة المدينة المنورة.. والصلاة في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم.. والصلاة في روضته الشريفة.. وزيارة قبره وقبر أبي بكر وعمر وعائشة.. وزيارة البقيع حيث يضم سيدنا عثمان والعشرة المبشرين بالجنة.. وتتمني أن تلحق بهم عند مليك مقتدر.. تتمني أن تشرب من حوض النبي شربة لا تظمأ بعدها أبدا.. وسيكون للمدينة حديث آخر..
دعاء: اللهم إنك عفو كريم حليم تحب العفو فاعفو عنا يا كريم، آمين.
الكاتب: محمد حسن البنا.
المصدر: جريدة أخبار اليوم.